تصميم أماكن عمل مواكبة للمستقبل بالبيانات والتخطيط الاستراتيجي
تحليل عقاري من يوليانا بورتر، رئيس قسم أماكن العمل والتصميم لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، قسم المشاريع والتطوير.
لقد استفدنا عدة دروس من جائحة كوفيد-19، من بينها أهمية وتأثير تصميمات أماكن العمل. فقد أصبح الآن أسلوب التعامل مع الموظفين ومراعاة رفاهيتهم من العوامل بالغة الأهمية في استقطاب المواهب والاحتفاظ بها. ونظراً لأن 40% من الانبعاثات الكربونية تأتي من المباني، تواجه الشركات أيضاً ضغوطا متزايدة تلزمها بأن تجعل مقرات أعمالها أكثر مراعاة للبيئة من أجل تلبية الأهداف البيئية والاجتماعية وتلك المتعلقة بالحوكمة.
وفي هذا الصدد، تسعى الشركات في جميع أنحاء العالم إلى إنشاء بيئات مصممة بطريقة تواكب تطورات مستقبل العمل، مع وضع الاحتفاظ بالموظفين والاستدامة والتقنية في صميم كل شيء تقوم به. وقد أسفر عن اتباع هذا النهج تطوير مستمر ومتواصل لأماكن العمل التعاونية وعالية الإنتاجية والهجينة، مما ساهم في إعادة تشكيل المفهوم السائد حول مقرات الأعمال التقليدية بوتيرة سريعة.
ومع ذلك، فإن الانتقال مباشرة إلى تصميم المساحات الداخلية، دون النظر إلى تجربة المستخدمين وأنماط عملهم وماهية التغييرات اللازمة وأسباب الحاجة إليها بعين الاعتبار، هو أمر عديم الجدوى وعبثي. وقد يفضي هذا النهج إلى مساحات مصممة تصميماً جميلاً غير "مناسبة للغرض المنشود منها" ولا تنطوي على قدر كافٍ من المرونة لاستيعاب ما يطرأ في المستقبل من تغييرات، وقد يتم الاستغناء عنها سريعاً.
وهنا تبرز أهمية التصميم الاستراتيجي، الذي يركز على المساحات ذات الجدوى التي تركز على الموظفين والمصممة خصيصاً وفق الاحتياجات الفريدة لمستخدميها. فالتصميم الاستراتيجي عبارة عملية قائمة على البيانات تلعب دوراً محورياً في مساعدة العملاء على اتخاذ قرارات مدروسة قبل الاستثمار في المساحات المكتبية وأي جوانب جمالية تتعلق بها.
عدم وجود نهج موحد في التصميم يتناسب مع مختلف الظروف والحالات
ندرك من واقع خبرتنا كمصممين أن النهج الموحد الذي يتناسب مع مختلف الظروف والحالات هو نهج غير مجدٍ ولا يمكن تطبيقه. ومن هذا المنطلق، تبرز الأهمية البالغة لفهم الاحتياجات الخاصة والفريدة للمستخدم – ما الطريقة التي يفضلها في العمل، وما الذي يساعده على الأداء بشكل أفضل، وما هي أهدافه في العمل، وما هي متطلباته في المستقبل.
وتنطوي هذه العملية على تقييم مفصل وشامل لأنماط عمل المستخدمين وتقييم لطموحاتهم وتطلعاتهم المرتبطة بالأداء. وتبدأ هذه العملية قبل أن يباشر فريق التصميم عمله على التصميم الداخلي الفعلي لمقر العمل وتصميم المساحة المكتبية.
وبهدف جمع هذه المعلومات التفصيلية، نجري مقابلات مع مجموعة من الأطراف المعنية تتنوع ما بين الرؤساء التنفيذيين للشركات مروراً بمديري هذه الشركات وحتى أصغر الموظفين على السلم الوظيفي الذين يكون للتصميم تأثير عليهم. وعادة ما تستغرق هذه العملية ما بين شهر إلى شهرين، حسب حجم الشركة ونطاق عملياتها التشغيلية.
وتوفر هذه المرحلة الاستراتيجية للمصمم فهماً واضحاً للثقافة المؤسسية للعميل، وعلامته التجارية، وتطلعاته الجمالية، واحتياجاته التشغيلية، والأهم من كل ذلك آليات وأدوات قياس هذه النواحي، بما يشمل الميزانيات والجداول الزمنية وأعداد الموظفين.
وعلاوة على ذلك، تساعد هذه المرحلة على فهم مستهدفات الاستدامة والرفاهية التي يسعى العميل إلى تحقيقها، مما يساعد المصمم على دمج الحلول الذكية الموفرة للطاقة والمواد المستدامة لإنشاء مقرات عمل مستدامة ومبتكرة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن التصميم الناجح لأماكن العمل يجب ألا يبدأ إلا بعد جمع كافة المعلومات المذكورة.
الشكل يتبع الوظيفة
بحسب مبدأ التصميم المعماري والصناعي الذي ساد في أواخر القرن التاسع عشر، والذي ينص على أن "الشكل يتبع الوظيفة"، يجب أن يكون غرض المبنى هو نقطة البداية لتصميمه وليس جوانبه الجمالية. وعليه، يمثل تخطيط التصميم الاستراتيجي الخطوة الأكثر أهمية في هذا الاتجاه.
ويمكن لتخطيط التصميم الاستراتيجي، الذي يعد امتداداً قصيراً نسبياً لعملية التصميم الشاملة، أن يساهم في زيادة قيمة العقارات بشكل كبير من خلال توفير المقومات الفعالة "لمواكبة تطورات المستقبل" لمقرات الأعمال في مواجهة متطلبات المستخدمين الديناميكية والمتغيرة باستمرار.
يمكنك تغيير السلوكيات من خلال تغيير بيئة العمل
من خلال تخصيص بيئة العمل في مقر الشركة بناءً على احتياجات مستخدميه، يستفيد المصمم من الأبعاد المادية والعاطفية والرقمية لمكان العمل للارتقاء بمستوى التعاون والابتكار والإنتاجية.
ويزيد في الوقت الحالي عدد المصممين الذين يدركون القيمة التي يضيفها تخطيط التصميم الاستراتيجي للمشروع. ومع ذلك، لم تُدمج إلى الآن هذه العملية باعتبارها مكوناً رئيسياً في مشاريع التصميم والتجهيز. علماً بأن إتاحة الوقت الكافي لدمج الاستراتيجية في عملية التصميم يسهم في إنشاء مقرات أعمال توفر العديد من القيم على المدى الطويل ومستقبلاً أكثر إشراقاً للشركة.
وتعمل مقرات العمل المصممة بحيث تركز على الموظفين وتراعي المعايير البيئية بصورة أكبر وتتسم بقدر أكبر من الذكاء والمرونة على دعم ثقافة الأداء العالي وستكون العامل الرئيسي في مساعدة الشركات على النمو والازدهار.
ومن خلال فريق قسم خدمات المشاريع والتطوير لدى جيه إل إل، نساعد الشركات والمؤسسات على ترقية مقرات أعمالها الحالية أو تصميم أماكن عمل جديدة تتناسب مع التغيرات التي تطرأ في المستقبل وتلهم موظفيها حاضراً ومستقبلاً.