مقال

تعزيز المرونة في قطاع الأدوية والتقنية الحيوية في دول الخليج من خلال البحث والتطوير

رؤى من رافيراج داندي، مدير استشارات الرعاية الصحية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في جيه إل إل

يونيو 11, 2024

تقف دول مجلس التعاون الخليجي على أعتاب إحداث ثورة في مجال الرعاية الصحية، إذ وصلت قيمة سوق المستحضرات الدوائية والتقنية الحيوية إلى ما يقرب من 17 مليار دولار أمريكي في عام 2023، ومن المتوقع تحقيق معدل نمو يتراوح ما بين 7% إلى 8%، مما يعني أن المنطقة أصبحت مهيأة للابتكار.

وعلى الرغم مما سبق، يشكل الاعتماد على المستحضرات الدوائية المستوردة عقبة كبيرة، حيث لا يُصنع سوى عدد قليل من المنتجات محلياً، الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى التحول نحو المرونة الذاتية من خلال البحث والتطوير والإنتاج المحلي.

وعلى صعيد آخر، ما زال التأثير العلمي لدول مجلس التعاون الخليجي متواضعاً في الوقت الحالي مقارنةً بالدول الرائدة في هذا المجال على مستوى العالم. ويظهر مؤشر إتش أو هيرش (H-index)، الذي يقيس تأثير الإنتاجية والاستشهادات المرجعية للأبحاث المنشورة، أن دول مجلس التعاون الخليجي تسير متأخرة خلف دول مثل الولايات المتحدة وألمانيا. ومع ذلك، تبرز المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من بين دول الخليج بتسجيلهما أعلى قيم على مؤشر هيرش بمقدار 567 و329 على الترتيب، مما يشير إلى امتلاكهما أساس قوي ملائم للنمو في مجال الأبحاث بالمستقبل.

التحديات التي تواجه قطاع المستحضرات الدوائية والتقنية الحيوية في منطقة الخليج

يواجه قطاع المستحضرات الدوائية والتقنية الحيوية في دول مجلس التعاون الخليجي العديد من التحديات التي تعيقه عن تحقيق تقدم ملموس. ويتمثل أحد التحديات الرئيسية في أن بناء مرافق البحث والتطوير ومصانع المستحضرات الدوائية يتطلب رأس مال ضخم علاوة على طول فترة استرداد النفقات الرأسمالية. وبالإضافة إلى ذلك، تعاني المنطقة من نقصٍ في عدد المتخصصين المهرة في مجال الأبحاث الطبية الجديدة.

كما أن ارتفاع نصيب الفرد من الدخل المتاح والاعتماد على الأدوية المستوردة، بالإضافة إلى صغر حجم السوق مقارنةً بالدول الأكثر نضجاً، يجعل من الصعب على الشركات المحلية الاستثمار في مشاريع البحث والتطوير لتطوير جزيئات مبتكرة للتصنيع المحلي.

خارطة طريق دول الخليج للتغلب على التحديات ودفع مشاريع البحث والتطوير والتحول إلى الريادة العالمية في قطاعي المستحضرات الدوائية والتقنية الحيوية

تطمح دول الخليج إلى ترسيخ مكانتها كدول رائدة في قطاعي الطب والتقنية الحيوية، حيث تخطط تلك الدول لتحسين مشاريع البحث وزيادة أعداد القوى العاملة الماهرة لديها في هذا المجال. وعلاوةً على ذلك، تقوم هذه الدول بمراجعة جدية للأطر التنظيمية واعتماد المنهجيات التقدمية لتسهيل النشر السلس للمعرفة. وتهدف هذه المساعي إلى احتضان المشاريع المبتكرة مع خلق بيئة تعاونية بين المؤسسات الأكاديمية المرموقة والرواد الحاليين في قطاعي الصيدلة والتقنية الحيوية.

وقد وضعت دول الخليج الاستراتيجيات التالية لتنشيط قطاعي المستحضرات الدوائية والتقنية الحيوية:

إعطاء الأولوية للاستثمار في مشاريع البحث والتطوير

تبنت دول مجلس التعاون الخليجي موقفاً حاسماً إزاء زيادة استثماراتها في مشاريع البحث والتطوير وربما تجاوزت الدول المعيارية على مستوى العالم في هذا الصدد. فعلى سبيل المثال، وضعت دولة الإمارات العربية المتحدة هدفاً طموحاً يتمثل في تخصيص نسبة أكبر من مواردها لتمويل مشاريع البحث والتطوير. ففي الوقت الحالي الذي تُقدر فيه نسبة المخصص من الناتج المحلي الإجمالي الوطني لتمويل مشاريع البحث والتطوير عند 1.5%، هناك جهود متضافرة لسد الفجوة والمواءمة مع مخصص الولايات المتحدة الجدير بالثناء والذي يبلغ 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي.

وإضافة إلى ما سبق، ومن خلال خلق بيئة تعاونية بين الأوساط الأكاديمية ومؤسسات البحث والصناعة، تهدف دول الخليج إلى إنشاء منظومة لاكتشاف المستحضرات الدوائية وتطويرها. ويشمل ذلك توفير التمويل الكافي للبحث العلمي وتشجيع الاستثمار العام والخاص في مشاريع البحث والتطوير ودعم المنح البحثية والزمالات والمنح الدراسية.

الاشتراك

هل تبحث عن المزيد من الرؤى؟ لا تفوّت أي تحديث

آخر الأخبار والرؤى والفرص من أسواق العقارات التجارية العالمية مباشرة إلى صندوق البريد الوارد الخاص بك

بناء قوى عاملة ذات مستوى عالمي

تدرك دول منطقة الخليج الأهمية البالغة لتطوير قوى عاملة بارعة في مجال الرعاية الصحية لتحقيق أهدافها الطموحة في قطاعي المستحضرات الدوائية والرعاية الصحية. ويجري تناول هذا التركيز الاستراتيجي من خلال التوسع في برامج التعليم العالي والدراسات العليا في المجالات العلمية والهندسية. وبالإضافة إلى ذلك، تعمل الدول في المنطقة على خلق بيئة جذابة للباحثين من خلال حزم الأجور التنافسية والمزايا الشاملة وفرص التقدم الوظيفي المحددة بوضوح.

وتدرك دول الخليج الحاجة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، وتعمل بنشاط على الحد من اعتمادها على متخصصي الرعاية الصحية الأجانب من خلال ضخ استثمارات هائلة في كليات الطب المحلية ومراكز التدريب التي تسعى على وجه التحديد لتنمية قوة عاملة وطنية قوية في مجال الرعاية الصحية.

وضماناً لتحقيق التحسين المستمر، تشارك دول منطقة الخليج بفعّالية في أنظمة تصنيف الجامعات المعترف بها دولياً، ومنها تصنيف كيو إس للجامعات العالمية وتصنيف مجلة تايمز للتعليم العالي للجامعات العالمية. وبالاستفادة من هذه المعايير المرجعية، يمكن لدول المنطقة تحسين عروضها التعليمية وضمان مواءمتها مع أعلى المعايير العالمية. ولا شك أن هذا الالتزام الراسخ ببناء مجموعة من الكوادر الموهوبة المحلية ذات المستوى العالمي سيكون بمثابة قوة تحويلية لقطاعي المستحضرات الدوائية والتقنية الحيوية المنطقة.

تعزيز أطر ولوائح الملكية الفكرية

تعمل دول الخليج على إرساء أساس متين لمستقبلها في مجال المستحضرات الدوائية والتقنية الحيوية من خلال ترسيخ بيئتها التنظيمية. وتتضمن هذه المبادرة الاستراتيجية تعزيز حماية الملكية الفكرية لتحفيز الابتكار وجذب الاستثمار. ولا تعود هذه الجهود بالنفع على رواد الأعمال المحليين فحسب، بل تعمل أيضاً على تعزيز التعاون بين الجامعات والجهات الرائدة في الصناعة. وعلاوةً على ذلك، تضمن عمليات الموافقة المبسطة على المستحضرات الدوائية الالتزام بالمعايير الدولية. وتخلق هذه الإصلاحات بيئة ذات منفعة متبادلة، ما يجعل دول الخليج وجهة جذابة لشركات الأدوية، المحلية والدولية على حد سواء.

إعطاء الأولوية للتقنية الحيوية لصناعة المستحضرات الدوائية ذات الاكتفاء الذاتي

أعطت دول الخليج الأولوية الاستراتيجية لتطوير قطاع التقنية الحيوية لديها لتقليل الاعتماد على الواردات وتنمية صناعة المستحضرات الدوائية ذات الاكتفاء الذاتي. ويتجلى هذا التركيز في تشجيع المشاريع المشتركة بين شركات الأدوية متعددة الجنسيات وشركات التصنيع المحلية، ما يسهل النقل السريع للتقنيات الحيوية. وإلى هذا، فإن التعاون النشط بين الجامعات والمؤسسات البحثية والجهات الرائدة في الصناعة يسهم في تعزيز الأبحاث متعددة التخصصات ويشجع على تنفيذ مشاريع مشتركة.

وفي هذا الصدد، تدرك دول الخليج قيمة التعاون الدولي وتشارك بفعّالية في برامج التبادل وتستفيد من الخبرات العالمية لدفع عجلة التقدم في مجال التقنية الحيوية.

وتأتي الاستراتيجية الوطنية السعودية للتقنية الحيوية في طليعة الجهود المبذولة في هذا الصدد باعتبارها نموذجاً رائداً وشاملاً يركز على توفير دعم قوي لمساعي البحث والتطوير، وتنمية قدرات قوية للتصنيع الحيوي المحلي، وإقامة شراكات استراتيجية مع الرواد العالميين في هذا المجال.

ومن الجدير بالذكر أن هذه الجهود المتضافرة قد رُسمت ملامحها بدقة بالغة بهدف دفع دول منطقة الخليج إلى طليعة المشهد العالمي للتقنية الحيوية. وفي إطار التزام راسخ بمواصلة الاستثمار والتطوير الاستراتيجي، فمن المتوقع أن يحقق سوق المستحضرات الدوائية في المنطقة نمواً كبيراً يتجاوز 27.5 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة.

وفي الختام، تجدر الإشارة إلى أن دول منطقة الخليج تعمل بنشاط على تحقيق المرونة الذاتية في قطاع المستحضرات الدوائية والتقنية الحيوية وينصب تركيزها على التحول نحو خلق القيمة من خلال دمج وابتكار الخدمات والتقنيات المتطورة. ومن خلال المبادرات التي تركز على الابتكار والبحث والتطوير والإنتاج المحلي، تسعى دول المنطقة للحد من اعتمادها على المستحضرات الدوائية المستوردة وأن تصبح رائدة عالمياً في هذا المجال. وتعمل الجهود المبذولة في هذا السياق، ومنها ترسيخ التعاون وبناء رأس المال البشري وتشجيع الأبحاث متعددة التخصصات والمشاركة في التعاون الدولي، على دفع نقل التقنية وتبادل المعرفة بين جميع ربوع المنطقة.

Contact رافيراج داندي

هل تبحث عن المزيد من الرؤى؟ لا تفوّت أي تحديث

آخر الأخبار والرؤى والفرص من أسواق العقارات التجارية العالمية مباشرة إلى صندوق البريد الوارد الخاص بك

ما هو طموحك الاستثماري؟

استكشف الفرص ومصادر رأس المال في جميع أنحاء العالم واكتشف كيف يمكننا مساعدتك في تحقيق أهدافك الاستثمارية.